٢٠٠٨-٠٧-٠٣

...

" في ساعة متأخرة من الشوق, يداهمها حبه.
هو, رجل الوقت ليلا, يأتي في ساعة متأخره من الذكرى. يباغتها بين نسيان واخر. يضرم الرغبة في ليلها.. ويرحل.
تمتطي إليه جنونها, وتدري: للرغبة صهيل داخلي لا يعترضه منطق. فتشهق, وخيول الشوق الوحشية تأخذهاإليه.
هو رجل الوقت سهوًا. حبه حالة ضوئية. في عتمة الحواس يأتي. يدخل الكهرباءإلى دهاليز نفسها. يوقظ رغباتها المستترة. يشعل كل شيء في داخلها.. ويمضي.
فتجلس, في المقعد المواجه لغيابه, هناك.. حيث جلس يومًا مقابلاً لدهشتها. تستعيد به انبهارها الأوّل.
هو.. رجل الوقت عطرًا. ماذا تراها تفعل بكل تلكالصباحات دونه؟ وثمة هدنة مع الحب, خرقها حبه. ومقعد للذاكرة, ما زال شاغراً بعده. وأبواب مواربة للترقب. وامرأة.. ريثما يأتي, تحبّه كما لو أنه لن يأتي. كييجيء.
لو يأتي.. هو رجل الوقت شوقًا. تخاف أن يشي به فرحها المباغت, بعدما لميشِ غير لحبر بغيابه.
أن يأتي, لو يأتي.
كم يلزمها من الأكاذيب, كي تواصل الحياة وكأنه لم يأت! كم يلزمها من الصدق, كي تقنعه أنها انتظرته حقّا!
لو..
كعادته, بمحاذاة الحب يمر, فلن تسأله أيّ طريق سلك للذكرى, ومندلّه على امرأة, لفرط ما انتظرته, لم تعد تنتظر.
لو..
بين مطار وطائرة, انجرف به الشوق إليها فلن تصدق أنه استدل على النسيان بالذاكرة. ولن تسأله عن أسباب هبوطهالاضطراريّ.
فهي تدري, كنساء البحّارة تدري, أن البحر سيسرقه منها وأنّه رجلالإقلاع.. حتمًا.
ريثما يأتي.
هو سيد الوقت ليلاُ. سيد المستحيلات. والهاتف العابر للقارّات. والحزن العابر للأمسيات. والانبهار الدائم بليل أوّل.
ريثمايعود ثانية حبيبها, ريثما تعود من جديد حبيبته, مازالت في كل ساعة متأخرة من الليلتتساءل.. ماذا تراه الآن يفعل؟


اليوم عاد..
هو الرجل الذي تنطبق عليه دوماً, مقولة أوسكار وايلد "خلق الإنسان الّلغة ليخفي بها مشاعره". مازال كلّماتحدث تكسوه اللغة, ويعريه الصمت بين الجمل.
وهي ما زالت انثى التداعيات. تخلع وترتدي الكلمات عن ضجر جسدي.. على عجل.
هيَ ذي عارية الصوت. تكسو كلمات اللقاءبالتردد بين سؤالين.
تحاول كعادتها, أن تخفي بالثرثرة بردها أمامه.
كادت تسأله: لماذا لبس ابتسامته معطفًا للصمت, اليوم بالذات, بعد شهرين من القطيعة؟
ثمّ فكرت في سؤال آخر: أينتهي الحب عندما نبدأ بالضحك من الأشياء التي بكينا بسببها يوماً؟
وقبل أن تسأل. بدا لها وكأنه غير مكترث إلا بصمتها أمامضحكته. لحظتها فقط تنبهت إلى أنه لم يكن يرتدي معطفًا.
الحزن لا يحتاج إلى معطف مضاد للمطر. إنه هطولنا السري الدائم. وبرغم ذلك, ها هي اليوم تقاوم عادتها في الكلام. وتجرب معه الصمت, كما يجرب معها الآن الابتسام.
الابتسامة الغائبة, صمته. أو لغته الأخرى التي يبدو وكأنه يواصل بها الحديث إلى نفسه لا إلى الآخرين. ويسخر بها من أشياء يعرفها وحده.
الذي يخفيه عنها, كثيرا ما أثار حزنها. أماالذي يثير فضولها, فلماذا تخلّى عنها ذات يوم بين جملتين, ورحل؟
تذكر أنّه, يومها أطبق على الحزن ضحكة ومضى. دون أن تعرف تمامًا ماذا كان ينوي أن يقول؟
لاتريد أن تصدق أنه تخلى عنها, لأنها رفضت يوما أن ترافقه إل مشاهدة ذلك الفيلم الذيكان يستعجل مشاهدته.
سألته أهو فيلم عاطفي.. أجاب "لا".
سألته أهو فيلم ضاحك.. أجاب"لا"


- ولماذا تريد أن نذهب لمشاهدته إذن؟
- لأنني أحب كل ما يثير فيّ البكاء.


ضحكت يومها. استنتجت أنّه رجل غريب الأطوار, لا يعرف كيف يتدبر أمر حب.
وهي لا تصدق أيضا ما قاله مرة, من أن مأساة الحب الكبير, أنه يموت دائما صغيرا. بسبب الأمر الذي نتوقعه الأقل.

أيعقل أن يكون حبها قد مات, فقط لأنها لم تشعر برغبة في أن تبكي معه, في عتمة صالة سينما؟
وإنما كانت تفضل لو دعاها إلى مكان آمن, بعيدا عن فضول الآخرين, يمكنهما فيه أن يعيشا اشتعالاتٍ عالية..

ما تعتقده, هو كونه أراد إذلالها, كي يضمن امتلاكها. وربما ظن أن على الرجل إذا أراد الاحتفاظ بامرأة, أن يوهمها أنّه في أية لحظة يمكنه أن يتخلى عنها.
أما هي, فكانت دائما تعتقد أن على المرأة أن تكون قادرة على التخلي عن أي شيء لتحتفظ بالرجل الذي تحبه.

وهكذا تخلت ذات يوم عن كل شيء وجاءته.

فلم تجده.


تذكر جلست وحيدة في تلك الزاوية اليسرى, من ذلك المقهى الذي كان يعرف الكثير عنهما, والذي أصبح منذ ذلك اليوم يحمل اسمه خطأً "الموعد".

أحيانا, يجب على الأماكن أن تغير أسماءها, كي تطابق ما أصبحنا عليه بعدها, ولا تستفزنا بالذاكرة المضادّة. "

فوضى الحواس

ليست هناك تعليقات: